دراسات فنية
Volume 8, Numéro 1, Pages 246-254
2022-12-29
الكاتب : سالت محمد بشير . بن حليمة صحراوي .
المجلد:.... العدد: ......(2021) ص......./...... تصميم الصّورة الفنّية التّشكيلية وإدراكها جماليا Designing a plastic artistic image and realizing it aesthetically محمد بشير سالت، جامعة عبد الحميد بن باديس، مستغانم. mbachir618@gmail.com د. بن حليمة صحراوي، جامعة عبد الحميد بن باديس، مستغانم. benhalima_sahraoui@yahoo.fr الملخص : معلومات المقال سعى الإنسان بفطرته إلى ما هو جميل إرضاء لذوقه وإشباعا لرغباته، فكانت الصّورة المرئية الطّبيعية أوّل ما شاهد من مظاهر الجمال، ومن خلالها تعرّف على معاني جديدة استعملها كلغة تواصل وخطاب، ثمّ انتقل إلى مرحلة أخرى تمثّلت في إنتاج صورة فنيّة تعبّر عنه وعن نظرته لهذا الوجود، فحاول أن يرسم بعض الأشكال على جدران الكهوف، والّتي كانت لها غايات جمالية تحقّق المتعة البصرية إلى جانب غايتها الوظيفية، والصّورة كمصطلح فنّي تشكيلي يقصد بها العمل الفنّي أو اللّوحة الّتي أنتجها الفنّان ،وسكب فيها أفكاره وعواطفه بواسطة ألوان وأدوات مختلفة، كما أنّها لم تعد مجرّد نسخة أو محاكاة للعالم، بل أصبح يقصد بها الصّورة المنظّمة والمتجانسة والمعبّرة، ومن هذا المنطلق جاز لنا أن نطرح التّساؤلات الآتية: - ما مفهوم علم الجمال؟ وماهي أسس تصميم الصّورة الفنية التّشكيلية؟وكيف يتمّ إدراكها جماليا؟. Abstract : الكلمات المفتاحية : - الجمال - الصّورة - الإدراك الجمالي Man naturally sought what is beautiful to satisfy his taste and desire, so the natural visual image was the first to see the manifestations of beauty, and through it he became acquainted with new meanings that he used as a language of communication and discourse, then moved to another stage represented in producing an artistic image that expresses him and his view of this existence Then he tried to draw some shapes on the walls of the caves, which had aesthetic purposes that achieved visual pleasure in addition to its functional purpose, and the picture as a plastic art term meant the artwork or the painting produced by the artist, and poured his thoughts and emotions into it using different colors and tools, and it is no longer Just a copy or a simulation of the world, rather it came to mean the organized, homogeneous and expressive image, and from this point of view it is permissible for us to ask the following questions: What is the concept of aesthetics, what are the foundations of designing a plastic art image, and how is it aesthetically perceptible? Keywords : - beauty - the image - aesthetic perception. امؤلّف المرسل: محمد بشير سالت / د.بن حليمة صحراوي. 1/.مفاهيم حول علم الجمال والحكم الجمالي: أ/.علم الجمال: في الحديث الشّريف: ﴿إنَّ الله جميل يحبّ الجمال﴾ ، ويمكن توضيح الجمال في اللّغة على النّحو الآتي: يعرّف قاموس معجم ألفاظ القرآن الكريم الجمال كما يلي: الجمال: البهاء ورقّة الحسن، والصّبر الجميل: الذي لا تبرّم معه، والصّفح الجميل: الذي لا عتب فيه، والسّراج الجميل: ما كان مصحوبا بإحسان وهو كناية عن الطّلاق وله حدود بيّنت في كتب الفقه، والهجر الجميل: الذي لا أذى فيه ، وجمال: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ ، وجميل:﴿قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ ، والجميل: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ ، وجميلا: ﴿فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾ ، ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ ، ﴿وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلًا﴾ . ولا تختلف الموسوعة القرآنية الميسّرة في تعريفها للجمال عمّا سبق ذكره في معجم ألفاظ القرآن، فالجميل يعني الحسن، والسّراج الجميل ما كان مصحوبا بإحسان، والصّبر الجميل الذي لا عبث فيه، والصّفح الجميل الذي لا تبرّم معه، والهجر الجميل الذي لا أذى معه . ويقول ابن منظور: «الجمال مصدر الجميل والفعل جمل، قال تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ الآية بمعنى البهاء والحسن، ويقول ابن سيّده: الجمال: الحسن يكون في الفعل والخلق، وقد جمل الرجل بالضمّ جمالا، فهو جميل، والجمال يقع على الصّور والمعاني...» . ومهما تعدّدت المصادر وتنوّعت في الوصول إلى المفهوم أو التّعريف اللّغوي لكلمة الجمال فإنّ هناك إجماع أو اتّفاق ابتداء بالقرآن الكريم ومرورا باللغة وانتهاء بالقواميس، أنّ الكلمة في مدلولها تحمل معنى الحسن والشّيء المحبّب القريب من النّفس، والّتي تحبّ العين أن تقع عليه باستمرار، سواء كان في الشّكل أو في الجوهر أو في الصّفات الّتي يجب أن يتحلّى بها المرء. أمّا الجمالية فهي «مصدر صناعي مشتق من الجمال، والمصدر الصّناعي يطلق على كل لفظ زيد في آخره حرفان هما ياء مشدّدة بعدها ياء تأنيث مربوطة، ليصير بعد زيادة الحرفين اسما دالاّ على معنى مجرّد لم يكن يدلّ عليه قبل الزّيادة، وهذا المعنى المجرّد الجديد هو مجموعة الصّفات الخاصة بذلك اللّفظ، مثل الاشتراك والاشتراكية والوطن والوطنية، والإنسان والإنسانية...» ، ويفهم من هذا الكلام أن الجمالية لا تحمل معنى الجمال فقط بل تتضمّن معاني أخرى إضافية، وقد عرّف بعض الدّارسين الجمالية بأنّها محبّة الجمال، غير أن الكلمة ظهرت أول مرّة في القرن التّاسع عشر مشيرة إلى شيء جديد ليس مجرّد محبّة الجمال بل صارت تحمل مفهوم الفن من أجل الفن .تحديد مفهوم الجمال يصطدم بتعدّد واختلاف النّظريات الفكرية، لذا يتعذّر الحصول على تعريف شامل له، فالجمال «هو ما يثير فينا إحساسا بالانتظام والتّناغم والكمال، وقد يكون ذلك في مشهد من مشاهد الطّبيعة، أو في أثر فنّي من صنع الإنسان، وإنّنا لنعجز على الإتيان بتحديد واضح لماهية الجمال لأنّه في واقعه إحساس داخلي، يتوّلد فينا عند رؤيته أثر تتلاقى فيه عناصر متعدّدة ومتنوّعة ومختلفة باختلاف الأذواق» . ثمّ إنّه يتجلّى في الأشياء بنسب متباينة بحكم حركته النّشيطة وتحولّه الدّائم فهو «ظاهرة ديناميكية متطوّرة، وتقديره يختلف من شخص إلى آخر ومن لحظة إلى أخرى» ، لذا سنحاول استقصاء تعريفه من خلال أقوال بعض الفلاسفة على الرّغم من تباينها أحيانا. يستطيع الإنسان تحسّس الجمال ولكنّه لا يستطيع قياسه أو تحديد مصدره بدقّة، لذلك قال "أفلاطون" بنسبية الجمال في الأشياء، فالأشياء في رأيه ليست جميلة جمالا مطلقا، وإنّما تكون جميلة عندما تكون في موضعها وقبيحة عندما تكون في غير موضعها، فهو يعرّف الجمال بأنه «ظاهرة موضوعية لها وجودها سواء يشعر بها الإنسان أم لم يشعر، فهو مجموعة خصائص إذا توفّرت في الجميل عدّ جميلا، وإذا امتنعت عن الشّيء لا يعتبر جميلا، وهكذا تتفاوت نسبة الجمال في الشّيء» ، ولأنّ "أفلاطون" يربط عالم الواقع بعالم المثل فإنّه يشترط مقاييس علمية موضوعية و«أنّ الجميل يجب أن يحكم بقوانين الفن، والفن تقليد للطّبيعة وإبراز الأشياء المحسوسة، وهذه الأشياء المحسوسة صور للمثل، فالفن صورة لصورة» . ويفهم من هذا أنّ "أفلاطون" يخضع الفن للمثالية والأخلاق ويبعده عن العقل. وعكس "أفلاطون" فتلميذه "أرسطو" يجعل من العقل مقياسا للجمال، ويجعل من الجمال مبدأ منظّما في الفن ، لذا فهو يرى أنّه «لايمكن لكائن أو شيء مؤلّف من أجزاء عدّة أن يكون جميلا إلا بقدر ما تكون أجزاؤه منسّقة وفقا لنظام، ومتمتّعة بحجم لا اعتباطي؛ لأنّ الجمال لا يستقيم إلا بالنّسق أو المقدار» ، ويتّضح من كلامه أنّ الجميل لا يكون جميلا إلا إلاّ إذا كان متناسقا من حيث الشّكل العام وعلاقة أجزائه بعضها ببعض، ثم يكون متمتّعا بحجم مناسب لذلك التّمتع الحاصل في الشّكل، ومثال ذلك جسم الإنسان الذي يحقّق شطراه الأيمن والأيسر التّوافق والانسجام في النّسق والمقدار ، كما يرى أنّ «الفن الجميل هو الفن النّافع» ، والمنفعة عنده هي عملية التّطهير، فهنا نجده قد ذهب إلى ربط الجمال بالمنفعة واللّذة والفائدة، أما "أفلوطين" فيوّحد بين الخير والجمال موضّحا ذلك بقوله: «الواحد المطلق خيّر قبل كل شيء وهو جميل لأنّه خيّر، فالخير هو المبدأ الأوّل الذي يصدر عنه الجمال» ، فكل ما هو خيّر جميل، وواضح أنّ هذا متأثّر بالنّظرة الّتي تعتبر الجمال حقيقة علوية تدركها الرّوح لا الحواس. ويعرّف "اللاّهوتيون" وعلى رأسهم "سنت أوغسطينوس" الجمال على أنّه «يدخل السّرور والبهجة في النّفس عندما يرى، وهو مظهر متغيّر للجمال الأعلى الخالد الذي هو مصدر كلّ جمال، وما الطّبيعة إلاّ وجه لفنّه العظيم» ، ويقصد بهذا أنّ الجمال ذاتي يختص بالنّفس، ويعتبره "كروتشه": «حدساأوإدراكافطرياأوإحساسافطريابالطّبيعة، ولكنّه معرفة كذلك تنبع من العقل والخيال معا، ويتم إدراك مكنوناتها بملكة تتفاوت درجتها وقوّة إدراكها بين بني البشر» ، وإلى ذلك ذهب أيضا "شارل لالو" بقوله: «الجمال إشباع منزّه عن الغرض، هو لعب حر واتّفاق لملكاتنا، أي توافق بين خيالنا الحسّي وبين عقلنا» ، وهذا التّنزه الجمالي نادى به "كانت" وعرّف الجمال على أنّه «يمتع دون غاية ليردّ على الحسّيين، ويمتّع دون مفهومات ليردّ على الفكريّين» ، ومن خلال هذا فالجمال إعجاب وتمتّع، وقيمته تنبع من جوهره بعيدا عن الجانب الحسّي والعقلي، في حين ربط أصحاب النّظرية النّفسية وعلى رأسهم "فرويد" الجمال بالرّغبة حيث قال: «إنّ الجمال هو الشّعور بتحقيق الرّغبة الجنسية» ، وهذه دعوة ضمنية لإبعاد الجمال عن الأخلاق والمنفعة، وبهذا فإنّ تعاريف الجمال تبقى متعدّدة ومتباينة بتباين الآراء والنّظريات، غير أنّ المتّفق عليه هو أنّ «الجمال هو التّناسق أو الانسجام الذي يدركه العقل ويقدّره الذّوق»28. ب/.الحكم الجمالي : صفة الحكم الجمالي عند "كانت" أنّه تذوّق وأنّه حيادي غير متحيّز، ومعنى حياديته أنه لا يحصّل أي شيء آخر غير الحكم بتأثير الشّيء فينا، بأن يكون لذيذا (وذلك هو الجمال)، أو مؤلما (وذلك هو القبح)، فالمحك للحكم الجمالي أن يثير فينا لذّة وبهجة، والانسجام مع ذلك هو الذي يعبّر عنه "كانت" بالرّضى، والرّضى وجود ذاتي في القلب، صادر عن مؤثّرات في الموضوع الّذي حكمنا بأنه جميل، وبمجرّد حصول الرّضى تتحقّق ملكة الذّوق في فلسفة "كانت"، حيث قال:«الذّوق هو ملكة الحكم بالرّضى أو بعدم الرّضى على شيء ما، أو على شكل تقديمه،والشّيء الذي يرضي هو بالتّالي الجميل» . أمّا "كروتشه" فقد عالج مسألة الحدس الفنّي في كتابة "علم الجمال"، واعتبر الحدس أدل على الإدراك الفطري، أو الإحساس الفطري للطّبيعة أو البديهة، وهو يرى أنّ الفن معرفة والمعرفة المنطقية مصدرها العقل، والمعرفة الفنّية مصدرها الخيال، لذا فمعنى الحدس يشمل الحدس العقلي الذي معرفته منطقية والحدس الفنّي الذي معرفته خيالية ، وأضخم دعوى في الحدس الفنّي أنّ ما فيه من مضامين عملية أو نفعية أو منطقية أو أخلاقية ذاب وتغيّر عما كان عليه، ولعل هذه الدّعوى تفسّر باتّحاد الشّكل والمضمون، والذّات والموضوع، وبهذا يتحوّل الموضوع الخارجي لأي غرض من أغراض الشّعر إلى عمل فنّي متحد، قال الدكتور محمد زكي العشماوي: «لا يمكن أن يكون اختيار الخريف موضوعا لقصيدة ما أبلغ أو أكثر شاعرية من اختيار موضوع آخر مثل منازل الفقراء المدقعين مثلا» ، ولو جاز أن يكون للموضوع قيمة في ذاته لكان همّنا من القصيدة المعرفة العقلية عن مسألة أو موضوع ما، ولو كان هذا هو هدفنا لكان الأولى بنا أن نستمع إلى مقال علمي عن الخريف، أو لذهبنا لعالم من علماء الاقتصاد أو الاجتماع لنجد عنده الدّراسة الجادة لمنازل الفقراء المدقعين،وما تحتوي عليه من ظواهر اجتماعية واقتصادية، ولاستطاعت هذه المقالات العلمية أن تصل بنا إلى معرفة أدق وأشمل مما يمكن أن تقدّمه إلينا القصيدة الشّعرية، إنّ العبرة في النّقد الجمالي ليست بالموضوع باعتباره شيئا خارجيا ولا بالفكرة باعتبارها مجرد فكرة، وإنما العبرة بما صار إليه الموضوع أو الفكرة بعد أن سيطر عليهما الشّاعر أو الفنّان، وبعد أن انصهرتا في ذاته، وبعد أن تحوّلتا إلى فن، إنّ كل موضوع وكل فكرة ليسا إلا مجرد مادة من المواد الخام التي تتحوّل عند تناولها إلى شيء جديد ، ومن خلال ذلك نجد أنّ قيمة الفن قيمة جمالية بلا ريب، ولكن هذا لا يعني أن الجمال محصور في ظواهر الفن الجمالية، بل هناك جمال عنصره العظمة والكمال، أو الفكر وجبروته، وهو جمال يسمو بقيمتي الحق والأخلاق، وقد يوجد موضوعان مختلفان تتساوى قيمتهما الجمالية الفنّية، ولكن موضوعا منهما تزكّيه قيمتا الحق والأخلاق، فيكون أجمل فنيا بعناصر جمالية خارج عناصر الجمال الفنّي ، إذن للموضوع قيمة جمالية في ذاته، ولكن هذا لا يعني أن المبتغى في كل موضوع قيمته الفنّية الجمالية لا المعرفة المنطقية المباشرة؛ لأنّ الفن إيحاء بالحقيقة، وعن الوحدة بين الشّكل والمضمون يلخّص الدّارسون لمذهب "كروتشه" بأنّه «لا ينبغي أن نفرّق بين حدس الفنّان وتعبيره، فالفكرة الشّعرية ليست شيئا مباينا لوزنها وإيقاعها وألفاظها، والحدس والتّعبير ليسا سوى شيء واحد» ، صحيح أنّ الصّنعة قد تدخّلت في إنتاج الأداة الفنّية، في طريقة مزج الألوان وفي تسجيل النّغمات، وفي قطع الحجر دون تهشيمه، لكن ليس في الإمكان فصل التّعبير عن الخيال، فالقصيدة والسّوناتا والرّواية توجد مكتملة قبل أن يقوم الفنّان بالعمل الآلي الذي تقتضيه كتابة العمل الفنّي بالفعل، الفن إذن ليس سوى عرض الشّعور مجسّما في صورة ذهنية ، ويظلّ كلام المفكّرين والأدباء مجرّد تلاعب بفهم المتلقّي ما ظلّ تعبيرهم يلغي الفروق المؤثّرة، أو يغاير بغير فروق مؤثّرة، ويظل مجانيا ما ظلّ دعوى بلا برهان، وبيان ذلك أن حدس الفنّان رؤية مباشرة بلا وسائط، ومعنى ذلك أنه أدّى المضمون بتعبيره الفنّي وشكله الذي جاء به دون تخطيط مسبق للفكرة التي يريدها، وبدون أناة زمنية لتجميل الشّكل، وهذه التّلقائية في ميدان الحدس فحسب، ولا ينسحب ذلك على كلّ إبداع لكل فنّان،والفنّان نفسه قد لا يعي تفسير هذه التّلقائية . 2/.مفهوم الصّورة : عندما نطالع معاجم اللّغة العربية باحثين عن معنى الصّورة، فإنّنا نجد (المصّور) وهو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو الذي صوّر جميع الموجودات ورتّبها، فأعطى كلّ شيء منها صورة خاصة، وهيئة مفردة يتميّز بها على اختلافها وكثرتها82. - تصوّرت الشّيء: توهّمت صورته، فتصوّر لي، والتّصاوير التّماثيل83. - الصّورة: الشّكل والهيئة والحقيقة والصّفة84. - الصّورة: الشّكل، والجمع صور، وقد صوّره فتصوّر، وتستعمل الصّورة بمعنى النّوع والصّفة85. اهتمّ البلاغيون والنقّاد العرب بدراسة الصّورة وتحليل أركانها ووظائفها من خلال دراستهم للأسلوب القرآني، الذي اعتمد الصّورة في التّعبير عن أغراضه الدّينية، والشّعر العربي الذي حفل بها حتى لا تكاد تخلو قصيدة شعرية منها86. وردت كلمة الصّورة في القرآن الكريم في مناسبات عدة، فذكرت: - بصيغة الفعل الماضي والجمع في قوله تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَن صُوَركُمْ﴾87. - وبصيغة الماضي فقط في قوله تعالى:﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ﴾88. - وبصيغة اسم الفاعل في قوله تعالى: ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ﴾89. - وبصيغة المضارع في قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ﴾90. - وبصيغة المفرد في قوله تعالى: ﴿فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ﴾91. وقد ذهب كثير من المفسّرين إلى أن الصّورة هي الشّكل، قال "ابن كثير" في تفسير قوله تعالى: ﴿وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَن صُوَركُمْ﴾، أي أحسن أشكالكم92، وقال "القرطبي" خلقكم في أحسن صورة93، ويرى "الزّمخشري" أنّ الله خلق الإنسان على هيئة ميزَّته عن سائر المخلوقات94. تمتد كلمة صورةimage) ) بجذورها إلى الكلمة اليونانية القديمة أيقونة Icon)) والتي تشير إلى التّشابه والتّقليد، وقد ترجمت إلى Imago)) في اللاّتينية، وإلى ((Image في الانجليزية، ومصطلح الصّورة مشتق من كلمة يونانية تعني المحاكاة، وتوجد معاني متقاربة ومترادفة مع هذا المعنى مثل التّشابه والنّسخ وإعادة الإنتاج95، أما في اللّغة العربية فإن كلمة الصّورة تعني هيئة الفعل أو الأمر وصفته، ولعلّ المعنى الأخير للصّورة هو الذي أدّى إلى تنامي النّظرة الإزدرائية للصّورة في الثّقافة الإسلامية والتي ربطتها بعبادة الأوثان. هناك أربع معان للصّورة أو الشّكل وهي: 1- تنظيم عناصر الوسيط المادي التي تتضمنّها الصّورة أو العمل، وتحقيق الارتباط المتبادل بينها. 2- إنّ الصّورة أو الشّكل ينطوي على تنظيم للدّلالة التعبيرية، إذ أن تنظيم التّعبير لا يؤدّي فقط إلى زيادة الدّلالة الفكرية للصّورة أو العمل، بل إنه يضفي على الصّورة والعمل وحدة أيضا. 3- كثيرا ما يستخدم لفظ الصّورة أو الشّكل للدّلالة على نمط محدّد في التّنظيم يتّصف بأنّه تقليدي معروف. 4- إنّ الصّورة أو الشّكل الجيّد يجب أن تتوفر فيه عناصر وشروط تتظافر جميعا من أجل جلب المتعة والمسرّة للإنسان، ذلك أن الصّورة الجيّدة تتّخذ قيمة جمالية، وتعكس حيوية وقدرة على مخاطبة المشاعر96. 3/.أسس تصميم الصّورة الفنّية التّشكيلية : أولا: الإيقاع : هو توظيف الحركة عن طريق حفظ المسافات البينية الكائنة بين الوحدات البصرية، وهو مجال لتحقيق الحركة وترديدها بصورة منتظمة تجمع بين الوحدة والتّغيير، وهناك بعض القيم الفرعية تبرز الإيقاع97: الإيقاع من خلال التّكرار، والإيقاع من خلال التّنوع، والإيقاع من خلال التّدرج، والإيقاع من خلال الاستمرار. أ. التّكرار : يؤكّد التّكرار اتجاه العناصر وإدراك حركتها، وعادة يلجأ الفنان إلى التّعامل مع مجموعات من العناصر قد تكون خطوطا أو أقواسا أو مثلثات أو مربعات أو مجموعات لونية متباينة أو متدرجة، وفي أي من هذه الحالات يلجأ المصمّم إلى التّكرار الذي هو استثمار لأكثر من شكل في بناء صيغ مجرّدة أو تمثيلية قائمة على توظيف ذلك الشّكل أو تلك الأشكال خلال تردّدات دون خروج ظاهر عن الأصل، والتّكرار بهذا المعنى يشير إلى مظاهر الامتداد والاستمرارية المرتبطة بتحقيق الحركة على سطح التّصميم ذي البعدين، ويرتبط مفهوم التّكرار بمعنى الجاذبية والتّشابه وقيمة الإنتاج في الصّورة الفنية. ب. التّدرج : يقوم الإيقاع على تنظيم الفواصل من خلال عنصران هامان هما الفترات والوحدات أو الأشكال، وتتدرّج هذه الفترات في اتّساعها مما يؤدّي إلى سرعة أو بطء الإيقاع، فحينما تتدرّج الفترات والأشكال بمسافات صغيرة يحدث إيقاع سريع والعكس بالعكس. ج. التّنوع : لابدّ أن يعتمد كل عمل فنّي على تحقيق التّغيير والتّنغيم الإيقاعي، بحيث لا يفقد العمل وحدته، أي يقوم هذا التّنوع على نوع من التّنظيم للحفاظ على الوحدة، فكلما جاء التّنوع بين عناصر الصّورة يشترط توفر نظم واضحة لوحدتها، كلما عبّر هذا العمل عن الدّيناميكية والفاعلية، فالتّكرار والتّنوع صفتان متلازمتان في بناء الصّورة الفنيّة المعبّرة، فلا تطغى وحدته على تنوّعه، ولا تنوّعه على وحدته. د. الاستمرارية : الاستمرارية أو التّواصل صفة أساسية تميّز الإيقاع وتحقّق التّرابط القائم على تكرار الأشكال داخل التّصميم، وتعد صفة الاستمرارية قاسم مشترك يكسب الوحدة تنوّعها، ويكسب التّدرج انتظامه ويعطي العمل ككل صفة التّرابط بين أجزائه98. ثانيا: الإتّزان : يعدّ المبدأ الذي يعطي الإحساس بالاستقرار، وأنّه الحالة التي تتعادل فيها القوى المتضّادة، والتّوازن من الخصائص الأساسية التي تلعب دورا هاما في جماليات الصّورة الفنية، حيث يحقّق الإحساس بالرّاحة النّفسية حين النّظر إليها، والفنّان يتّجه نحو تحقيق الاتّزان في تنظيم عناصر الصّورة الفنية لا لأنّه فنيّ فحسب، ولكن لأنّه أساس مهم من أسس الحياة، والفنّان أو المصمّم يصل إلى تحقيق التّوازن بإحساسه العميق خلال تنظيم علاقات الأجزاء في الصّورة الفنية من خط ومساحة ولون وملمس99. ثالثا: الوحدة : الوحدة أو التّآلف من المتطلّبات الرّئيسية لأي صورة فنيّة، بل وتعتبر من أهم المبادئ لإنجاحها من النّاحية الجمالية، ويعني مبدأ الوحدة في الصّورة الفنيّة أن ترتبط أجزاؤها فيما بينها لتكوّن كلاّ واحدا، فمهما بلغت دقّة الأجزاء في حدّ ذاتها فإنّ الصّورة الفنيّة لا تكسب قيمتها الجمالية من غير الوحدة التي تربط بين أجزائها بعضها ببعض ربطا عضويا، وتجعلها كلاّ متماسكا، وتوصّل علماء الجمال لمبدأ الوحدة في الصّورة الفنية إنطلاقا من تأمّلهم وإدراكهم للطّبيعة والحياة، فوجدوا أن الإرتباك والتّشتت والفوضى على نقيض من الاتّساق والوحدة، فكما أنّنا لا نستطيع تحمل التّشتت في أفكارنا وحياتنا، فنحن لا نستطيع تحمله أيضا في فنّنا، والوحدة تعني نجاح الفنّان أو المصمّم في تحقيق علاقة الأجزاء ببعضها البعض، وعلاقة الأجزء بالكل، ويصبح التّصميم أو التكوين ذو وحدة عضوية100. رابعا: التّناسب : هو العلاقة بين حجم الأجزاء وحجم العمل الكلّي، وتعبّر هذه العلاقة عن المضمون أو المحتوى الذي يريد الفنّان التّعبير عنه، إن لغة التّناسب هي لغة تحليلية تظهر نتائج سريعة وواضحة ودقيقة حول قيمة الأجزاء بالنّسبة لبعضها البعض وبالنّسبة إلى الكلّ الذي يكوّنه، وإدراك تلك القيمة عدديا أو هندسيا يؤدّي إلى استنباط أسرار التّوافق و التّناسق بين مجموعة عناصر الأشكال، وبالاهتداء إلى أسباب النّظام الذي يحدّد لكل عنصر مكانته الجمالية حسب أهميته وتأثيره بالنّسبة للمجموعة الكلية، ويؤدّي هذا المعنى إلى فهم واضح لاستخدامات التّناسب الرّياضي والهندسي في الصّورة الفنيّة، فمن أسباب هذا الاستخدام تناسق العنصر المفرد مع الشّكل الكلّي، والتّرتيب المناسب لاتجاه كل عنصر من العناصر الجزئية، وتأكيد طابع ووحدة الصّور الفنيّة، ويوجد من الفنّانين من يطبق التّناسب الرّياضي والهندسي في أعماله عن دراسة ووعي وقصد، وهناك من يطّبقه ولكن بالإحساس الفطري التّلقائي للإنشانية الجمالية101. 4/ .إدراك الصّورة الفنّية التّشكيلية جماليا : يعتبر الإدراك أولى مراحل تواصل وبناء الصّورة الفنيّة أو العمل الفنّي، ويجب على كل من الفنّان أو المصوّر ومن ثمّ المتلقّي الإلمام بالمفاهيم السّيكولوجية والفيزيولوجية للإدراك حتى تحقّق الصّورة عناصر تكاملها، وبتنوّع الإدراك تتنوّع الحواس التي تستقبل المنبّه أيّا كان مصدره، فالبصر والسّمع والشم واللّمس كلّها وسائط للإدراك الحسّي بصفة عامة، ويأتي دور الإدراك بتفسير تلك التّنبيهات الحسيّة المختلفة وإضافة معنى عليها بعد أن يستكمل الوعي أو العقل كل المراحل الّتي تمرّ إلى العقل، ابتداءً بالطّاقة المؤثّرة على الخلايا الحسية وانتهاء بتفسير معناها وتشكّلها كمادة واعية يمكن إضافة أي معنى عليها.وتمرّ عملية الإدراك البصرية في أطوار متتابعة وتبدأ بالنّظرة الإجمالية ثم بعملية التّحليل وإدراك العلاقات القائمة بين الأجزاء، وإعادة تأليف الأجزاء في الهيئة الكليّة مرة أخرى، وهي عملية مستمرة تبدأ في الكليّات وتتحوّل إلى الجزيئات بهدف التحليل والتأمل تمهيدا لإعادة التّحول إلى الكليات، في صورة مفهوم إدراكي تكاملي، وهذه النّظرة الإجمالية لأيّ صورة أو عمل فنيّ دائما ما تسبق النّظرة النقدية وإصدار الحكم102. الصّورة الفنيّة هي صورة يكون مركزها مشحونا بالطّاقة البصرية التي تنبعث متوجّهة نحو المتلقّي، وأن الاتّصال بالعين على نحو خاص يجعل المتلقّي يشعر بأنّه ينظر إليه من خلال شخص آخر، أو لشكل آخر أبدعه الفنان، وفي لوحة ما قد يكون الباب المفتوح أو النّافذة أو الطّريق المؤدّي إلى منظر طبيعي بمنزلة الدّعوة للمتلقّي للدّخول فالتّنظيم البصري يفرض نفسه على المتلقّي، وتتّجه طاقات ما من هذه الصّورة إلى المتلقّي كما تتّجه طاقات وتساؤلات من المتلقّي إلى الصّورة، ولا يمكن تكوين الصّورة الفنيّة على نحو كامل مالم يوضع حضور المتلقي في الاعتبار، حيث تتحّرك عينا المتلقّي حركة حرة، وتستكشفان الصّورة الفنّية بطريقة تحاول تفكيك البنية الدّاخلية لها، لكن هذه الحركة الحرة المستكشفة للعينين لا تكون بلا ضوابط، فالإحاطة بالصّورة في الاتّجاه الأفقي مثلا تحدث إلى حدّ ما، على نحو أسهل من إحاطتها من أعلى إلى أسفل (الاتجاه الآلي)، ويشير "أرنهايم" إلى أن الصّورة الفنيّة ينبغي معاينتها إدراكيا، لكن إذا أراد المرء أن يفهمها عقليا فإنه يجب عليه أن يضعها بشكل مناسب في شبكة تصوّرية من العلاقات المناسبة، إنّ الحكم على القيمة الجمالية للصّورة الفنيّة يتطلب خبرة وتمكّنا تقنيا، فهو حكم لا يمكن أن يتّكئ على المعايير المألوفة، أو الشّائعة الخاصة بالعدد والقياس، إنه يعتمد بدلا من ذلك على الحدس الإدراكي وعلى التّمعن في عوامل التّماسك الهرموني والنّظام والبساطة عند أي مستوى من مستويات تركيب الصّورة الفنية، كما أنّه يعتمد أيضا على أصالة هذه الأحكام الجمالية103. خاتمة : أخيرا يمكن القول أنّ تصميم الصّورة التّشكيلية وجماليتها يتأثّران حتما بذهنية الإنسان وثقافته والظّروف المحيطة به والغرض الذي صمّمت من أجله تلك الصّورة وبالتّالي فهو مفهوم نسبي يتماشى طردا مع عدة مفردات ومفاهيم أخرى أهمّها: - تأثير مفهوم العقيدة في الفنون القديمة على شكل ورؤية الصّورة التّشكيلية وظهوره بمفهوم مختلف له نفس التّأثير في الفنون الحديثة وهو المفهوم الثّقافي. - اختلاف وتعدّد مواضيع الصّورة التّشكيلية سواء أكانت عقائدية أو طبيعية أو ذات فكرة ومفهوم. - انتقال الصّورة من الصّور الجمعية في الفنون والحضارات القديمة إلى الصّور الذّاتية المعبّرة عن العوالم الدّاخلية للفنان وإلى الصّور التّفاعلية بين الفنان والمتلقّي. - الرّسالة في الصّورة التّشكيلية القديمة وجّهت إلى أفراد المجتمع دون تمييز، أمّا في الفنون الحديثة وما بعد الحداثة فقد وجّهت إلى شريحة ثقافية تميّزت بالخصوصية. - تأثّر الصّورة التّشكيلية في الفنون القديمة بالخامات البيئية، أمّا في الفنون الحديثة وما بعد الحداثة فقد استعان الفنان بأشياء جاهزة الصّنع مثل اللّصق والإضافة والتّركيب. - لم يهتم الفنان في الفنون القديمة بتأثير الصّورة التّشكيلية على المتلقّي باعتبار فن التّصوير عملا جمعيا تسجيليا للتّاريخ،أمّا الفنّان في الفنون الحديثة فيعتبر المتلقّي عاملا مهمّا في تذوّق الصّورة الفنية، وفي فنون ما بعد الحداثة أصبحت الحالة بين المتذوّق والعمل الفنّي أكثر تفاعلية. - الصّورة التّشكيلية هي نتاج لإدراك الفنان ومدى تجاوبه لمختلف التّقاليد والأنساق الخاصة بمحيطه الثّقافي. - الحكم على قيمة العمل الفني أمر صعب خاصة إذا كان الحكم يطال الجانب الجمالي، وتاريخ الفن يؤكّد أنّه لا توجد نظرية وحيدة في علم الجمال يمكن تطبيقها واعتمادها لكلّ الأعمال الفنيّة. - الجمالية مطلب أساسي لهوية الصّورة التّشكيلية، فهي منهج عام أو رؤية إبداعية ونقدية، تتحرّك في إطارها جميع المناحي النّقدية المتعلّقة بالصّورة. - الجمالية تبنى على ثنائية الشّكل والمضمون في الصّورة التّشكيلية،وتؤكّد أنّ الفنّان الحق هو الذي يحسن استخدام أدواته وأفكاره ما يجعله يصل إلى التّناغم الجمالي.
الكلمات المفتاحية : - الجمال - الصّورة - الإدراك الجمالي ; Keywords : - beauty - the image - aesthetic perception
ساته نجيم
.
ص 200-210.
صرصار سومية
.
بن سنوسي سعاد
.
ص 323-333.