حوليات جامعة قالمة للعلوم الاجتماعية والإنسانية
Volume 2, Numéro 1, Pages 1-33
2008-12-31
الكاتب : بومهره عبد العزيز .
ثلاث بيئات عاش فيها ابن حمديس، تختزل مراحل حياته، كانت صقلية – طوالها- ملء الجوانح والحنايا؛ تنبض بها عروقه، وتهفو إليها مشاعره، وتنطق بها حروفه وأشعاره، فتشيع خلالها معاناته وما يقاسيه من آلام وآمال. بدا ذلك في موطني غربته: الأندلس والمغرب أكثر جلاء عبر قصائد البكاء والتحسر على ضياع صقلية وسقوطها في أيدي النورمان. وتمثل الأندلس أهمّ مرحلة في حياته، وهي موطن اغترابه الأول، وكانت نفسه بها مهزوزة، تراوح بين الأمل والخيبة، فتهفو إلى كلِّ ما يأتي من صقلية، وترنو عيونه نحو الشرق لعل نسائم البحر تحمل إليه بشائر النصر، لكنها لا تلبث أن تنتكس ويعتريه إحساس بالأسى والحزن؛ فأمواج البحر العاتية لا تحمل إلا الأنباء المحزنة. كان ابن حمديس خلال هذه المرحلة يحاول تعويض الانكسار النفسي بالحفاوة وحسن الضيافة التي يلقاها في بلاط ابن عبّاد.لكنّ محاولاته إخفاء حالة الإحباط والضياع في النهار سرعان ما تنهار عندما يجن الليل وتتناوبه الهواجس، وينتابه الحنين، فتأتي قصائده مطعَّمة، في الغالب، بهذا الإحساس الطاغي الذي يشيع في ثنايا معانيه حتى حين يكلِّف نفسه مشقَّة إظهار سعادته أمام مضيِّفِهِ. وكان ذلك في نظمٍ بديعٍ، وأسلوب رقيق تغلب عليه مسحة من الحزن الشفاف، لا يخلو من متانة وحسن سبك.
بوجمعة هيشور
.
ص 187-202.
فتيحة شفيري
.
ص 48-59.