دراسات تراثية
Volume 10, Numéro 1, Pages 625-645
2016-12-30
الكاتب : صبرينة الواعر .
منذ القدم؛ اعتبر المضيق -جبل طارق-، الذي يربط حوض البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي الرهان الأكبر لقوى ذلك الزمان، فقد استقر الفينيقيون في ليكسوس Lixus بالقرب من المدينة المغربية المعروفة اليوم بالعرائش Larache، وذلك منذ الألف الثانية قبل الميلاد، وبعد خمس قرون استقر أقربائهم القرطاجيون بدورهم بالقرب من أعمدة هرقل؛ أين لقوا منافسيهم الإغريق. أما في العهد الروماني، انتقلت الأهمية الدفاعية والإستراتيجية إلى مدينة طنجة على الساحل الجنوبي للمضيق، وكذا ميناء قادس جنوب شبه الجزيرة الإبيرية، فقد اعتبرت كل من طنجة وقادس حارستا بوابة المحيط الأطلسي. وفي عهد البيزنطيين قويت شوكة مدينة سبتة Ceuta؛ لمّا صارت مركز دفاع أمامي لشبه الجزيرة الأيبيرية، أو بالأحرى القاعدة المسؤولة عن مواجهة أي هجوم محدق بأسبانيا. لكن الفاعلية الإستراتيجية لمدن وموانئ حوض البحر الأبيض المتوسط؛ كانت مرهونة بقوة الدول، وصارت بالرغم من ثباتها في مكانها ؛ شبيهة بأيقونات الشطرنج التي تنقل من موضع إلى آخر، ذلك أن الميزة الاقتصادية والإستراتيجية لميناء معين قد تأفل وتمحى بضعف القوى المسيطرة عليه أمام قوى أخرى بسطت نفوذها على مناطق ساحلية أخرى ووجهت دفة النشاط الاقتصادي نحوها، والأمثلة كثيرة في حوض البحر الأبيض المتوسط. فبعدما كانت سبتة، وطنجة، وقادس هي أقوى المراكز الإستراتيجية، انتقلت الأهمية الإستراتيجية والدفاعية إلى مراكز أخرى، وبخاصة بعد حركة الفتح الإسلامي، فسبتة البيزنطية لم تتمكن من إيقاف الزحف الإسلامي، وسهلت عبور طارق بن زياد وموسى بن نصير إلى شبه الجزيرة الأيبيرية التي آل الحكم فيها إلى المسلمين وسقط حكم القوطيين. بعد السيطرة الإسلامية على الأندلس، انشغل المسلمون بدورهم بمهمة السيطرة على حوض البحر الأبيض المتوسط وبسط نفوذهم الدائم على مضيق جبل طارق والأماكن القريبة منه، وقد برزت هذه الرغبة بقوة في عهد المرابطين والموحدين. لكن بعد انهيار دولة المسلمين في الأندلس بسقوط آخر قلاعهم في غرناطة عام 1492 على يد جيوش فردناندو ملك أرغونة، وإيزابيلا ملكة قشتالة، رجحت كفة هذان الأخيران اللذان أعلنا حملة صليبية استمرارا لما سمي بحركة الاسترداد المسيحي Reconquista، حيث خرجت الجيوش الأسبانية تلاحق المسلمين الفارين إلى الشمال الإفريقي، أواخر القرن 15، وبداية القرن 16م، وقد تزامن ذلك مع السيطرة البرتغالية على السواحل المغربية المطلة على المحيط الأطلسي، وضعف ملوك بنو حفص في تونس، وبنو عبد الواد في تلمسان، وأضحت الونشريس وبلاد القبائل تتمتع باستقلالية تامة. أما المناطق الساحلية كتونس، وبجاية، والجزائر، ووهران، فقد اتجهت أنظارها صوب البحر وانكبت على التجارة، وأثرت بشكل واضع على اقتصاد البحر الأبيض المتوسط. هذا الوضع الذي آلت إليه دول الشمال الإفريقي، سهل من مهمة الأسبان الذين حققت حركتهم الريكونكيستا نجاحا لم يسبق له مثيل في أوروبا؛ اعتبروه علامة إلهية –على حد قولهم-تلزمهم بالزحف نحو الأقاليم الإفريقية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية؛ عرقلة نشاط المدن الساحلية الإفريقية التي ساهمت –حسبهم- في خلق اضطراب دائم ومستمر في الجهة الغربية للبحر الأبيض المتوسط. مع ذلك لا يجب إغفال نقطة مهمة وهي مسعى أسبانيا لتكون الراعية والرقيبة على التجارة بين بلدان المغرب والجنوب الأوروبي. ولعل هذا السبب الأخير؛ كان من أهم الدوافع الأسبانية لاحتلال السواحل الإفريقية، حيث كانت البداية بالسيطرة على مليلة عام1497، والهجوم الأسباني في أكتوبر 1505م بقيادة بيدرو نافارو على ميناء المرسى الكبير بوهران الذي اعتبره الأسبان أهم مرسى لهم على الساحل الإفريقي.بعدها بثلاث سنوات احتل نفس القائد مدينة وهران ماي 1509، ومن ثمة واصل الأسبان سيطرتهم على الموانئ الإفريقية الواحدة تلو الأخرى، حيث تم احتلال بجاية وطرابلس عام 1510. لكن سرعان ما برزت قوة إسلامية تمثلت في العثمانيين الذي أعلنوا الجهاد والمقاومة ضد الزحف المسيحي، لكن رغم محاولاتهم في بسط نفوذهم على وهران والمرسى الكبير إلا أنهم فشلوا، في حين تمكن الأسبان من السيطرة الميناء ومدينة وهران مدة طويلة امتدت إلى أواخر القرن الثامن عشر. وهذا يدفعنا للتساؤل: ما هي حقيقة الغزو الأسباني لوهران و المرسى الكبير، وما هو السر في تشبثه بهما مدة طويلة (1505-1792 م).
الغزو الإسباني؛ الموانئ الجزائرية؛ مدينة وهران؛ المرسى الكبير؛ تاريخ الاستعمار؛ الصراع الإسلامي المسيحي.
الواعر صبرينة
.
ص 35-54.
هاشمي بن براهيم
.
بوغفالة ودان
.
ص 187-198.