دراسات نفسية
Volume 2, Numéro 6, Pages 143-157
2011-08-01
الكاتب : عبد السلام سعد .
إعتبرت مسألة النفس ضمن أهم المشاكل الميتافيزيقية العويصة, التي شغلت بال الفلاسفة والعلماء قديما وحديثا. وقد ذكر الأشعري(ت.330هـ) أن« الناس اختلفوا في الروح والنفس والحياة, وهل الروح هي الحياة أم غيرها؟ وهل الروح جسم أم لا؟.»( ) كما أشار شهاب الدين القسطلاني(ت.923 هـ/1517م) إلى أن هذه المسألة كثر حولها اختلاف العلماء والحكماء، وأطلقوا أعِنّة النظر وخاضوا في غمرات ماهية الروح.( ) وتشير الأبحاث إلى أن أرسطو رفض موقف أفلاطون, منكراً استقلالية النفس عن البدن، لأن الإنسان عنده جوهر واحد, الجسد مادته والنفس صورته، بحيث لا ينفصل أحدهما عن الآخر.« فالنفس جوهر بمعنى صورة, أي ماهيةُ جسمٍ ذي صفة معينة.»( ) في حين اعتبرت الأفلاطونية المُحْدثة النفسَ أساسا لنظرية الفيض والصدور، ولعلها أكثر المذاهب تأثيرا في العالم الإسلامي.( ) وأما عن فلاسفة الإسلام فقد ذهب الكندي( ) (ت.252هـ/866م) إلى أن النفس مستقلة عن البدن, باعتبارها جوهرا روحيا بسيطا, نابعا من جوهر الله تعالى, وإذا فارقت البدن انكشفت لها الأشياء. وقد ذهب أكثر الفلاسفة الإلهيين إلى أنها جوهر روحاني منفصل عن البدن ومتميز ، وأنها تدرك وتعقل المفاهيم الكلية والعامة.( ) بينما ذهب العلّاف والأشعرِي والباقلّاني إلى أن الروح عرض مكونة من جوهر مادي، وهذا بناءا على مذهبهم القائل بالجوهر الفرد، وأن الله يخلق الأجسام وأرواحها التي هي عرضٌ لها خلْقاً مستمراّ بلا انقطاع, وما ذلك إلّا لأن العالَم لديهم مؤلف من جواهر وأعراض لَا تستمر آنَيْنِ، وهكذا تُخْلق النفس مثل الذرّات وتنعدم في كل آنٍ باستمرار؛ في حين ذهبت طائفة أخرى إلى أن النفس جسم طويل عريض عميق ذو مكان، وأنها تنفذ في الجسد نفاذ ماء الورد في جسم الورد، وهو رأي أكثر المتكلمين. وبالمقابل أنكر ابن كيسان الأصم(ت.349هـ) وجود النفس أو الروح, معتبراً أنها ليست شيئا إلّا هذا الجسد, مُدّعيا أنه لَا يعرف إلّا ما يُشاهده بحواسِه.( ) وكل هذه الآراء أشار إليها أبو محمد علي بن أحمد- ابن حزم-(364هـ ـ456هـ)(994م ـ1064م)، عارضاً لأدلتها( ) متسائلا عن ماهية النفس وحقيقتها( ) وعن سبب عجزها عن معرفة حقائق وأسرار ذاتها, وجهْلها بنفسها على الرغم من توغُّلها في معرفة تاريخ الأمم الغابرة.« فهي لَا تعرف حقيقة ذاتها ولَا محلها من الجسد، ولَا تحريكها للأعضاء الجسدية, ولَا تتذكر أين كانت قبل حلولها من الجسد, ولا من أين أقبلت... فَيَالَكِ برهاناً على عجز المخلوق ومهانته وضعفه.»( )
النفس الإنسانية;الفلاسفة;ابن حزم الظاهري